كان رسول الله صلى الله عليه و سلم كما وصفه ربه عز وجل :
]بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ - سورة التوبة آية 128 فكان ينظر إلى
أصحابه نظرة الرحمة والشفقة فكلما ألم بأصحابه مكروه من عاهة أو مرض أو
تفكير في أمر يشغل بالهم أسرع رسول الله صلى الله عليه و سلم بالدعاء لهم
للتخفيف عنهم ولكي ينالوا بركة دعوته صلى الله عليه و سلم أما بالنسبة
للكفار والمشركين والمعاندين فقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو
عليهم حيث تشتد شوكتهم ويكثر أذاهم وتارة كان يدعو لهم حيث تؤمن غائلتهم
ويرجى تآلفهم [/ وإذا دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم لأناس أو دعا
عليهم فإنك تجد ما دعا به قد تحقق قطعًا وهذه بعض الأمثلة من دعواته
المستجابة صلى الله عليه و سلم
[سرعة الإجابة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلاً دخل المسجد يوم جمعة ورسول الله صلى
الله عليه و سلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم قائمًا
ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال (المراد هنا المواشي خصوصًا الإبل
وهلاكها من قلة الأقوات بسبب عدم المطر والنبات) وانقطعت السبل (أي انقطعت
الطرق فلم تسلكها الإبل إما لخوف الهلاك أو الضعف بسبب قلة الكلأ أو عدمه)
فادع الله يغثنا قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه ثم قال:
اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا
قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة (القطعة من الغيم)/
وما بيننا وبين سلع (جبل قرب المدينة) من بيت ولا دار قال: فطلعت من ورائه
سحابة مثل الترس (هو ما يتقي به السيف ووجه الشبه الاستدارة والكثافة لا
القدر) فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت
قال: فلا والله ما رأينا الشمس سبتًا
قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه و
سلم قائم يخطب فاستقبله قائمًا فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت
السبل فادع الله يمسكها عنا
قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه ثم قال: اللهم حولنا ولا
علينا اللهم على الآكام (جمع أكمة وهي الرابية المرتفعة من الأرض) والظراب
(جمع ظرب وهي صغار الجبال والتلال) ومنابت الشجر فانقلعت وخرجنا نمشي في
الشمس - رواه البخاري ومسلم
[]يمهل ولا يهمل
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه و
سلم يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور (أي ناقة)
بالأمس فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا (هو اللفافة التي يكون فيها الولد
في بطن الناقة وسائر الحيوان وهي من الآدمية المشيمة) جزور بني فلان فيأخذه
فيضل في كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم (وهو عقبة بن أبي معيط)
فأخذه فلما سجد النبي صلى الله عليه و سلم وضعه بين كتفيه قال: فاستضحكوا
(أي حملوا أنفسهم على الضحك والسخرية) وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم
أنظر لو كانت لي منعة (أي لو كان لي قوة تمنع أذاهم أو كان لي عشيرة بمكة
تمنعني) طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه و سلم والنبي صلى الله عليه و
سلم ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة ]
فجاءت وهي جويرية (تصغير جارية بمعنى شابة أي أنها إذ ذاك ليست بكبيرة)
فطرحته عنه ثم أقبلت عليهم تشتمهم فلما قضى النبي صلى الله عليه و سلم
صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا دعا دعا ثلاثًا وإذا سأل سأل ثلاثًا
ثم قال: ]اللهم عليك بقريش (ثلاث مرات) فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك
وخافوا دعوته ثم قال: اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن
ربيعة والوليد بن عقبة (اتفق العلماء على أنه غلط وصوابه: الوليد بن عتبة)
وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وذكر السابع فلم أحفظه فوالذي بعث محمدًا
صلى الله عليه و سلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى
القليب (القليب هي البئر التي لم تطو وإنما وضعوا في القليب تحقيرًا لهم
ولئلا يتأذى الناس برائحتهم) قليب بدر قال أبو إسحاق: الوليد بن عقبة غلط
في هذا الحديث - رواه مسلم r]
[دعوة وهداية
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة
فدعوتها يومًا فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أكره فأتيت
رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا أبكي قلت: يا رسول الله إني كنت أدعو
أمي إلى الإسلام فتأبى علي فدعونها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله
أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: اللهم اهد أم
أبي هريرة ]
فخرجت مستبشرًا بدعوة نبي الله صلى الله عليه و سلم فلما جئت فصرت إلى
الباب فإذا هو مجاف (أي مغلق) فسمعت أمي خشف (أي صوتهما في الأرض) قدمي
فقال: مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء (أي صوت تحريكه)
قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا
هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتيته وأنا أبكي من الفرح
قال قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة فحمد
الله وأثنى عليه وقال خيرًا
قال قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين
ويحببهم إلينا
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: اللهم حبب عبيدك هذا يعني أبا
هريرة وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين فما خلق مؤمن يسمع بي
ولا يراني إلا أحبني - رواه مسلم
إخباره صلى الله عليه وسلم عن المغيبات من معجزات رسول الله صلى الله عليه
وسلم ودلائل نبوته ما اطلع عليه من الغيوب الماضية والمستقبلية وإخباره
عنها ومن المعلوم المقرر أن علم الغيب مختص بالله تعالى وحده وقد أضافه
الله تعالى إلى نفسه الكريمة في غير ما آية من كتابه العزيز
قال تعالى[]قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ
إِلَّا اللَّهُ- سورة النمل آية 65 وقال تعالى وَعِندَهُ مَفَاتِحُ
الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ - سورة الأنعام آية 59]ومن المعلوم
أيضًا أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يعلمون الغيب ولا اطلاع لهم على
شيء منه قال الله تعالى مخبرًا عن غير واحد من رسله الكرام عليهم الصلاة
والسلام أنهم قالوا لأقوامهم : ]قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ
اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ سورة الأنعام آية 50 [/وفي صحيح مسلم عن
عائشة رضي الله عنها أنها قالت: من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية
وكما جاءت الأدلة تدل على أن الله تبارك وتعالى قد اختص بمعرفة علم الغيب
وأنه استأثر به دون خلقه جاءت أدلة أخرى تفيد أن الله تعالى استثنى من خلقه
من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم وجعله معجزة
لهم ودلالة صادقة على نبوتهم قال تعالى : [وَمَا كَانَ اللّهُ
لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ
مَن يَشَاءُ- سورة آل عمران آية 179 وقال تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا
يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً {26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ-
سورة الجن آية 26 و 27
فتلخص من ذلك أن ما وقع على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإخبار
بالمغيبات فبوحي من الله تعالى وهو من إعلام الله عز وجل لرسوله صلى الله
عليه وسلم للدلالة على ثبوت نبوته وصحة رسالته وقد اشتهر وانتشر أمره صلى
الله عليه وسلم بإطلاع الله له على المغيبات
قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: قام فينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم مقامًا فما ترك شيئًا يكون من مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه
حفظه من حفظه ونسيه من نسيه رواه البخاري ومسلم
وقال عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر
فخطبنا حتى حضرت العصر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس
فأخبرنا بما هو كائن إلى يوم القيامة فأعلمنا أحفظنا رواه مسلم
والمغيبات التي تغيبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أقسام ثلاثة
[]أولاً : قسم في الماضي
كإخباره عن القرون السالفة والأمم البائدة والشرائع الدائرة مما كان لا
يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذ من أحبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في
تعلم ذلك وقد كان أهل الكتاب كثيرًا ما يسألونه تعنتًا وتعجيزًا عن أخبار
تلك القرون السالفة فينزل عليه من القرآن ما يتلو عليهم منه ذكرًا كقصص
الأنبياء مع قومهم وخبر موسى والخضر ويوسف وإخوته ]
ثانياً : قسم في المستقبل
و ستجد تفصيل ذلك في باب ]نبوأت الرسول صلى الله عليه و سلم
[]بشارات لبعض الأصحاب ]
[أم حرام بنت ملحان
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يدخل
على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل
عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم يومًا فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه فنام
رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم استيقظ وهو يضحك قالت: فقلت: ما يضحكك
يا رسول الله؟
قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر (هو
ظهره ووسطه) ملوكًا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة (يشك أيهما قال)
قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها ثم وضع رأسه
فنام ثم استيقظ وهو يضحك
قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟
قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله كما قال في الأولى
قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم
قال: أنت من الأولين
فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من
البحر فهلكت - رواه البخاري ومسلم ]
[]عكاشة بن محصن
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: عرضت علي
الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط (تصغير رهط وهو: الجماعة دون العشرة) والنبي
ومعه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم
أمتي فقيل لي: هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم
فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي: هذه أمتك ومعهم
سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب
وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله وذكروا أشياء
فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: ما الذي تخوضون فيه؟
فأخبروه فقال: هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم
يتوكلون
فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم
فقال: أنت منهم
ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم فقال: سبقك بها عكاشة - رواه
البخاري ومسلم
[/color]
ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس (أي تكلموا وتناظروا) في أولئك الذين يدخلون
الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى
الله عليه و سلم
أم ورقة بنت نوفل
عن أم ورقة بنت نوفل أن النبي صلى الله عليه و سلم لما غزا بدرًا قالت: قلت
له: يا رسول الله ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم لعل الله يرزقني
الشهادة
قال: قري في بيتك فإن الله تعالى يرزقك الشهادة
قال: فكانت تسمى الشهيدة
قال: وكانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النبي صلى الله عليه و سلم أن تتخذ في
دارها مؤذنًا فأذن لها
قال: وكانت دبرت غلامًا لها وجارية (أي علقت عتقهما على موتها وهو أن يقول
السيد لعبده: أنت حر بعد موتي) فقاما إليها بالليل فغماها بقطيفة لها حتى
ماتت وذهبا ]
فأصبح عمر فقام في الناس فقال: من كان عنده من هذين علم أو من رآهما فليجيء
بهما فأمر بهما فصلبا فكانا أول مصلوب بالمدينة - رواه أبو داود والإمام
أحمد في مسنده والبيهقي وحسنه الألباني وفي رواية البيهقي في آخره: فقال
عمر: صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول: [انطلقوا بنا نزور
الشهيدة ]
]بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ - سورة التوبة آية 128 فكان ينظر إلى
أصحابه نظرة الرحمة والشفقة فكلما ألم بأصحابه مكروه من عاهة أو مرض أو
تفكير في أمر يشغل بالهم أسرع رسول الله صلى الله عليه و سلم بالدعاء لهم
للتخفيف عنهم ولكي ينالوا بركة دعوته صلى الله عليه و سلم أما بالنسبة
للكفار والمشركين والمعاندين فقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو
عليهم حيث تشتد شوكتهم ويكثر أذاهم وتارة كان يدعو لهم حيث تؤمن غائلتهم
ويرجى تآلفهم [/ وإذا دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم لأناس أو دعا
عليهم فإنك تجد ما دعا به قد تحقق قطعًا وهذه بعض الأمثلة من دعواته
المستجابة صلى الله عليه و سلم
[سرعة الإجابة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلاً دخل المسجد يوم جمعة ورسول الله صلى
الله عليه و سلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم قائمًا
ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال (المراد هنا المواشي خصوصًا الإبل
وهلاكها من قلة الأقوات بسبب عدم المطر والنبات) وانقطعت السبل (أي انقطعت
الطرق فلم تسلكها الإبل إما لخوف الهلاك أو الضعف بسبب قلة الكلأ أو عدمه)
فادع الله يغثنا قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه ثم قال:
اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا
قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة (القطعة من الغيم)/
وما بيننا وبين سلع (جبل قرب المدينة) من بيت ولا دار قال: فطلعت من ورائه
سحابة مثل الترس (هو ما يتقي به السيف ووجه الشبه الاستدارة والكثافة لا
القدر) فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت
قال: فلا والله ما رأينا الشمس سبتًا
قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه و
سلم قائم يخطب فاستقبله قائمًا فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت
السبل فادع الله يمسكها عنا
قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه ثم قال: اللهم حولنا ولا
علينا اللهم على الآكام (جمع أكمة وهي الرابية المرتفعة من الأرض) والظراب
(جمع ظرب وهي صغار الجبال والتلال) ومنابت الشجر فانقلعت وخرجنا نمشي في
الشمس - رواه البخاري ومسلم
[]يمهل ولا يهمل
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه و
سلم يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور (أي ناقة)
بالأمس فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا (هو اللفافة التي يكون فيها الولد
في بطن الناقة وسائر الحيوان وهي من الآدمية المشيمة) جزور بني فلان فيأخذه
فيضل في كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم (وهو عقبة بن أبي معيط)
فأخذه فلما سجد النبي صلى الله عليه و سلم وضعه بين كتفيه قال: فاستضحكوا
(أي حملوا أنفسهم على الضحك والسخرية) وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم
أنظر لو كانت لي منعة (أي لو كان لي قوة تمنع أذاهم أو كان لي عشيرة بمكة
تمنعني) طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه و سلم والنبي صلى الله عليه و
سلم ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة ]
فجاءت وهي جويرية (تصغير جارية بمعنى شابة أي أنها إذ ذاك ليست بكبيرة)
فطرحته عنه ثم أقبلت عليهم تشتمهم فلما قضى النبي صلى الله عليه و سلم
صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا دعا دعا ثلاثًا وإذا سأل سأل ثلاثًا
ثم قال: ]اللهم عليك بقريش (ثلاث مرات) فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك
وخافوا دعوته ثم قال: اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن
ربيعة والوليد بن عقبة (اتفق العلماء على أنه غلط وصوابه: الوليد بن عتبة)
وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وذكر السابع فلم أحفظه فوالذي بعث محمدًا
صلى الله عليه و سلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى
القليب (القليب هي البئر التي لم تطو وإنما وضعوا في القليب تحقيرًا لهم
ولئلا يتأذى الناس برائحتهم) قليب بدر قال أبو إسحاق: الوليد بن عقبة غلط
في هذا الحديث - رواه مسلم r]
[دعوة وهداية
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة
فدعوتها يومًا فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أكره فأتيت
رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا أبكي قلت: يا رسول الله إني كنت أدعو
أمي إلى الإسلام فتأبى علي فدعونها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله
أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: اللهم اهد أم
أبي هريرة ]
فخرجت مستبشرًا بدعوة نبي الله صلى الله عليه و سلم فلما جئت فصرت إلى
الباب فإذا هو مجاف (أي مغلق) فسمعت أمي خشف (أي صوتهما في الأرض) قدمي
فقال: مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء (أي صوت تحريكه)
قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا
هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتيته وأنا أبكي من الفرح
قال قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة فحمد
الله وأثنى عليه وقال خيرًا
قال قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين
ويحببهم إلينا
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: اللهم حبب عبيدك هذا يعني أبا
هريرة وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين فما خلق مؤمن يسمع بي
ولا يراني إلا أحبني - رواه مسلم
إخباره صلى الله عليه وسلم عن المغيبات من معجزات رسول الله صلى الله عليه
وسلم ودلائل نبوته ما اطلع عليه من الغيوب الماضية والمستقبلية وإخباره
عنها ومن المعلوم المقرر أن علم الغيب مختص بالله تعالى وحده وقد أضافه
الله تعالى إلى نفسه الكريمة في غير ما آية من كتابه العزيز
قال تعالى[]قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ
إِلَّا اللَّهُ- سورة النمل آية 65 وقال تعالى وَعِندَهُ مَفَاتِحُ
الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ - سورة الأنعام آية 59]ومن المعلوم
أيضًا أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يعلمون الغيب ولا اطلاع لهم على
شيء منه قال الله تعالى مخبرًا عن غير واحد من رسله الكرام عليهم الصلاة
والسلام أنهم قالوا لأقوامهم : ]قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ
اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ سورة الأنعام آية 50 [/وفي صحيح مسلم عن
عائشة رضي الله عنها أنها قالت: من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية
وكما جاءت الأدلة تدل على أن الله تبارك وتعالى قد اختص بمعرفة علم الغيب
وأنه استأثر به دون خلقه جاءت أدلة أخرى تفيد أن الله تعالى استثنى من خلقه
من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم وجعله معجزة
لهم ودلالة صادقة على نبوتهم قال تعالى : [وَمَا كَانَ اللّهُ
لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ
مَن يَشَاءُ- سورة آل عمران آية 179 وقال تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا
يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً {26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ-
سورة الجن آية 26 و 27
فتلخص من ذلك أن ما وقع على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإخبار
بالمغيبات فبوحي من الله تعالى وهو من إعلام الله عز وجل لرسوله صلى الله
عليه وسلم للدلالة على ثبوت نبوته وصحة رسالته وقد اشتهر وانتشر أمره صلى
الله عليه وسلم بإطلاع الله له على المغيبات
قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: قام فينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم مقامًا فما ترك شيئًا يكون من مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه
حفظه من حفظه ونسيه من نسيه رواه البخاري ومسلم
وقال عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر
فخطبنا حتى حضرت العصر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس
فأخبرنا بما هو كائن إلى يوم القيامة فأعلمنا أحفظنا رواه مسلم
والمغيبات التي تغيبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أقسام ثلاثة
[]أولاً : قسم في الماضي
كإخباره عن القرون السالفة والأمم البائدة والشرائع الدائرة مما كان لا
يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذ من أحبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في
تعلم ذلك وقد كان أهل الكتاب كثيرًا ما يسألونه تعنتًا وتعجيزًا عن أخبار
تلك القرون السالفة فينزل عليه من القرآن ما يتلو عليهم منه ذكرًا كقصص
الأنبياء مع قومهم وخبر موسى والخضر ويوسف وإخوته ]
ثانياً : قسم في المستقبل
و ستجد تفصيل ذلك في باب ]نبوأت الرسول صلى الله عليه و سلم
[]بشارات لبعض الأصحاب ]
[أم حرام بنت ملحان
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يدخل
على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل
عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم يومًا فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه فنام
رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم استيقظ وهو يضحك قالت: فقلت: ما يضحكك
يا رسول الله؟
قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر (هو
ظهره ووسطه) ملوكًا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة (يشك أيهما قال)
قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها ثم وضع رأسه
فنام ثم استيقظ وهو يضحك
قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟
قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله كما قال في الأولى
قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم
قال: أنت من الأولين
فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من
البحر فهلكت - رواه البخاري ومسلم ]
[]عكاشة بن محصن
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: عرضت علي
الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط (تصغير رهط وهو: الجماعة دون العشرة) والنبي
ومعه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم
أمتي فقيل لي: هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم
فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي: هذه أمتك ومعهم
سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب
وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله وذكروا أشياء
فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: ما الذي تخوضون فيه؟
فأخبروه فقال: هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم
يتوكلون
فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم
فقال: أنت منهم
ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم فقال: سبقك بها عكاشة - رواه
البخاري ومسلم
[/color]
ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس (أي تكلموا وتناظروا) في أولئك الذين يدخلون
الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى
الله عليه و سلم
أم ورقة بنت نوفل
عن أم ورقة بنت نوفل أن النبي صلى الله عليه و سلم لما غزا بدرًا قالت: قلت
له: يا رسول الله ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم لعل الله يرزقني
الشهادة
قال: قري في بيتك فإن الله تعالى يرزقك الشهادة
قال: فكانت تسمى الشهيدة
قال: وكانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النبي صلى الله عليه و سلم أن تتخذ في
دارها مؤذنًا فأذن لها
قال: وكانت دبرت غلامًا لها وجارية (أي علقت عتقهما على موتها وهو أن يقول
السيد لعبده: أنت حر بعد موتي) فقاما إليها بالليل فغماها بقطيفة لها حتى
ماتت وذهبا ]
فأصبح عمر فقام في الناس فقال: من كان عنده من هذين علم أو من رآهما فليجيء
بهما فأمر بهما فصلبا فكانا أول مصلوب بالمدينة - رواه أبو داود والإمام
أحمد في مسنده والبيهقي وحسنه الألباني وفي رواية البيهقي في آخره: فقال
عمر: صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول: [انطلقوا بنا نزور
الشهيدة ]